جامعاتنا العربية و تحديات المستقبل

مصدر الرسم الكاركتيري : وكالة انباء براثا

شهدت السنوات العشرين الأخيرة من القرن العشرين نهضة علمية و تقنية توازي مسيرة الحضارة فيما سبقها من قرون ، و ذلك بظهور تقنية المعلومات ، و انتشار استخدام الحاسوب و شبكة الانترنت ، مما أصبح يشكل عبئا على عالمنا العربي الذي بعد أن كان متخلفا علميا ، أصبح الآن في حضيض التخلف العلمي و التقني .

و لعل من المؤسف حقا أن يبرز و يتفوق الطلاب العرب في مختلف جامعات العالم ، في حين أنه يتم اغتيالهم علميا في جامعاتنا العربية ، فيقتلون فيهم روح الإبداع و التألق و الابتكار ، و يحولونهم إلي آلات حفظ و تسجيل و تكرار .

إن النظام التعليمي بشكل عام يحتاج إلي إعادة نظر ، فمخرجات نظم التعليم في الوطن العربي لا تتلاءم مع متطلبات العصر الذي نعيشه ، فجامعاتنا تعيش مأساة حقيقية ،  و السؤال المطروح هنا : من المسؤول عن ذلك ؟ ألا يستحق الأمر وقفة جادة ؟ إن الإجابة عن التساؤلات السابقة تحتاج إلي درجة عالية من الشفافية ، لكي نستطيع تشخيص الوضع بشكل حقيقي ، و طرح طرق العلاج  ، و في حقيقة الأمر فإن المسؤولية هنا مسؤولية جماعية يتحملها المجتمع بأسره ،لأن نتائج ذلك تعود علي المجتمع بشكل عام ، بيد أن الجانب الأكبر منها يعود لأصحاب القرار في وزارات التعليم و الإدارات العليا و مراكز التخطيط ، و إدارات و أعضاء هيئة التدريس بالجامعات العربية ، يجب عليهم العمل على إعادة هيكلة النظم التعليمية ، و معالجة الظواهر السلبية التي يظهر تأثيرها واضحا على مخرجات الجامعات العربية و التي يمكن عرض أهمها في عدة نقاط على النحو التالي :

أولا : تعتمد الجامعات العربية بشكل كبير في نظمها التعليمية على الجانب النظري ، حيث تدرس أغلب المقررات بشكل نظري ، في حين يهمل الجانب التطبيقي و العملي أو يعد جانبا مكملا لا يحظى بالأهمية التي يحظى بها الجانب النظري . كما أن الجامعة بعيدة عن المجتمع و علاقتها به هامشية ، كما أن مناهجنا في مجملها لا تتلاءم مع متطلبات المجتمع الذي نعيشه بل تبدو خيالية و بعيدة عن الواقع الذي نعيشه ، و بالتالي فإنها تخلق هوة بين الطالب و المجتمع الذي سيعمل فيه بعد تخرجه ، حيث نجد في كثير من الأحيان أن خريجي الجامعات يواجهون مشاكل في حياتهم العملية بعد التخرج نظرا لبعد الإطار النظري الذي درسوه عن الواقع العملي في المجتمع ، و لمعالجة ذلك يجب أن يكون هناك ربط دائم بين العلم الذي يتلقاه الطالب في الجامعة و واقع مجتمعه لكي يستطيع بعد ذلك تطوير المجتمع من خلال العلم الذي تلقاه . و بالتالي خلق نوع من الانسجام بين الجامعة و المجتمع بما يخدم أهداف المجتمع و يساعد الطالب على تطوير مداركه و ينشط فيه روح الابتكار و الإبداع . أضف إلي ذلك اعتماد الجامعات على الأساليب التقليدية في تقييم الطلاب من خلال نظام الامتحانات الجامدة و الالتزام بحرفية النصوص في الإجابة و الاعتماد بشكل مبالغ فيه على مراجع محددة في التدريس .

ثانيا : عدم الاهتمام بالبحث العلمي و اقتصار دور أعضاء هيئة التدريس على المهام التدريسية و الإدارية ، كما أن البحوث المقدمة في أغلب الأحيان هي بحوث لغرض الحصول على الدرجات العلمية و الترقيات الوظيفية ، و لا تخدم هدفا أخر ،  كما أنها لا تقدم في مجملها أية إضافة سواء للأستاذ أو الجامعة أو المجتمع  ، و عدم جدية الندوات و المؤتمرات العلمية التي تعقد بين الفترة و الأخرى ، و اهتمامها بالجانب الإعلامي و الدعاية أكثر من الجانب العلمي ، بل أنها في المجمل تخدم أهدافا أخري غير تطوير العلم ، و تخرج في العادة بتوصيات عمومية باهتة ، و تنتهي بحفل عشاء و مجموعة من الصور الجماعية للذكرى ! ! !

ثالثا : عجز جامعاتنا العربية عن مسايرة حركة النشر العلمي و الترجمة و ضعف الإمكانيات المادية المخصصة لمثل هذه الأمور ،  و عدم الاهتمام بالمكتبات الجامعية و توفير المراجع العلمية  .

رابعا : افتقاد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات العربية إلي مهارات التدريس و فن التعامل مع الشباب ، و تفهم حاجاتهم ، و الاقتراب منهم ، و عجزهم عن خلق حلقة الوصل بينهم و بين الطالب و التي من خلالها يمكن اكتشاف قدرات الطالب و ميوله و اهتماماته . كما أن قلة أعضاء هيئة التدريس في بعض التخصصات أو كثرة الطلبة في بعضها أصبح يشكل معوقا من خلال عدم التناسب بين عدد الطلاب و عدد أعضاء هيئة التدريس .

خامسا : الفساد الإداري و المالي و التجاوزات في نظم و لوائح الجامعات و التي باتت ظاهرة سائدة في مختلف الجامعات العربية و انتشار الرشوة و الوساطة و المحسوبية .

إن هذه العوامل السابقة و غيرها تنخر كالسوس في جامعاتنا و تحولها إلي مباني بالية متهالكة و بقايا معامل ، ليس لها من دور في المجتمع إلا القذف بآلاف الخريجين الجهلة كل عام .

يجب أن نفتح أعيننا جيدا على الحقائق قبل أن يفوتنا قطار الحضارة ، ألم يئن الأوان لننهض بجامعاتنا و نطورها لتوازي في مستواها الجامعات العالمية ، و نستثمر عقول و أفكار أبنائنا بدلا من تصديرها إلي مؤسسات الغرب !!؟

تعليقان على “جامعاتنا العربية و تحديات المستقبل

  1. محمد إدريس

    ” يجب أن نفتح أعيننا جيدا على الحقائق قبل أن يفوتنا قطار الحضارة” أعتقد أن قطار الحضارة قد فاتنا منذ زمن بعيد!!!

    رد

اترك رداً على amalaldrwish إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.